سورة مريم - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


لأوتينّ: لأُعطين. اطلع الغيب؟: اظهر له علم الغيب. سنكتب ما يقول: سنسجّل كل اقواله ونظهرها له يوم القيامة. ونمدّ له من العذاب: ونزيد له من العذاب. ونرثه ما يقول: ونسلبه كل ما عنده من مالٍ وولد، وذلك لأنه يقول لأوتينَّ مالاً وولداً. ضدا: أعداء. تؤزّرهم: تزعجهم. وفدا: وهم القادمون المكرمون. وِرْداً: مشاةً مهانين كأنهم دواب حين ترد الماء.
في صحيح البخاري ومسلم عن خباب بن الأرتّ قال: كنتُ حدّاد وكان لي على العاص بن وائل والد عمرو بن العاص، دَين. فأتيتُه أتقاضاه منه فقال: لا واللهِ، لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا واللهِ لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموتَ ثم تُبعث. قال: فإني إذا متّ ثم بُعتث جئتني ولي مال وولد، فأعطيك. فأنزل الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ.. الآية}.
وقولُ العاص هذا نموذجٌ من تهكُّم الكفار واستخفافِهم بالبعث. فالقرآنُ هنا يعجب من هذه الجُرأة والاستخفاف.
انظُر ايها الرسول إلى حالِ هذا الجاحد المتكبر. واعجبْ من مقاله الشنيع، وجُرأته على الله إذ قال: سيكون لين مالٌ وولد في الآخرة. هل اطّلعَ هذا الكافر على الغيب، حتى يتجرأ ويقول ما قال، ام أخذ من الله عهداً بذلك!!
{كلاّ}، وهي لفظة نفيٍِ وزجر، ليس الأمرُ كذلك. إنه لم يطّلع على الغيب ولم يأخذ عند الله عهداً، عليه كلَّ أقواله، ونزيدُه من العذاب ونُطيله عليهم في جهنم.
{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ..... يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْداً}.
ونسلبُه ما عنده من المال والولَد وكلَّ ما يعتز به في الدنيا، ويأتي في الآرخرة وحيداً منفردا، لا مالَ معه ولا ولد ولا نصير.
أولئك الذين كفروا عبدوا غير الله آلهة مختلفة، لتكونَ لهم شفعاءَ يعتزّون بها يوم القيامة. كلا: فسيكفر بهم الملائكةُ والجنّ وكلّ المعبودات، ويبرأون إلى الله منهم، ويكونون لهم أعداء وخصوما.
ألم تعلم أيها الرسول أنا سلَّطنا الشياطينَ على الكافرين واستحوذوا عليهم، يُغْرونَهم بالمعاصي ويدفعونهم إلى التمرُّدِ والوقوع فيها.
فلا يضيقُ صدرك أيها الرسول بكفرهشم، ولا تستعجلْ لهم بالعذاب، فإنما نتركهم في الدنيا لمدة محدودة، ونُحصي عليهم أعمالهم وذنوبهمن لنحاسبَهم عليها في الآخرة.
ثم يبين الله ما يكون في ذلك اليوم، وكيف يستقبل المتقين بالتكريم، ويسوق المجرمين كالدواب.
{يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْدا}.
اذكر أيها الرسول ذلك اليوم الذي نجمع المؤمنين فيه إلى جنة الخلد وفودا مكرمين، كما نصوق المرجمين إلى جهنم وندفعهم عِطاشاً كالدوابّ الواردين إلى الماء، لا شفاعةَ لأحدٍ في ذلك اليوم الا من قدّم عملاً صالحاً، فهو عهدٌ له عند الله ينجيه ويجعله من الفائزين.


جئتم: فعلتم. إدّا: منكرا عظيما. يتفطَّرون: يتشققن. تخرُّ: تسقط. دعوا: نسبوا. قوماً لُدّا: قوما شديدي الخصومة. رِكزا: صوتا خفيا.
بعد أن فنّد مقولة عبده الأوثان وأثبت أنهم في ضلال يعمهون- أردف ذلك بالردّ على الذين نسبوا إلى الله الولد، وبيّن انها منكَرة يهتزّ لها الكون بأجمعه.
{تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً}.
وقال المشركون: إن الله اتخذ من الملائكة بناتٍ، وقال اليهود والنصارى ان الله اتخذ ولداً، سبحانه وتعالى عن ذلك.
لقد جئتم أيها القائلون بمقالِكم هذا أمراً منكَرا، تنكره العقول المستنيرة. ان السمواتِ تكاد تتشقق من هذا القول لشدّة هوله، وتُخْسف الأرض، وتسقط الجبال لمجرّدِ سماعه.
قراءات:
قرأ نافع والكسائي: {يكاد} بالياء، والباقون: {تكاد} بالتاء. وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي وحفص: {يتفطرن} بالتاء. والباقون: {ينفطرن} بالنون.
إنها لكلمةٌ شنيعة لو صورت بصورة محسوسة لم تتحملها هذه الأجرام العظام، ولتفتت وتفرقت اجزاؤها من شدتها.
ثم بين علّة ذلك بقوله: {أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً}.
من أجلِ أنهم نسبوا إلى الله اتخاذ الولد، وما يليق به اتخاذُ الولدن لان اثبات الولد له يقتضي أن يكونَ حادِثاً ومحتاجا، وهذا مُحالٌ على الله سبحانه.
ان كل ما في السموات والأرض من مخلوقات هم عبيدُ الله، ينقادون لحكمنه، ويخضعون له. لقد أحاط بهم جميعاً وبأعمالهم، وعدِّ أشخاصِهم وانفاسهم وافعالهم.
{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القيامة فَرْداً}.
وهم جميعا سيأتون إليه يوم القيامة منفردين عن النصراء والولد والمال.
وقد تكرر لفظ {الرحمن} في هذه السورة ستَّ عشرة مرة، لأ المشركين كانوا ينكرون هذه الكلمة وكانوا يقولون ما هو الرحمن، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسجدوا للرحمن قَالُواْ وَمَا الرحمن} [الفرقان: 60]. والرحمن وصفٌ يدل على عموم الرحمة، فهي شاملة لكل موجودٍ. ان الله مع كل ما يأتيه المنكِرون رحمنٌ رحيم سبقت رحمته غضبه.
ثم ختم السورة بذكر احوال المؤمنين عموما وما ينتظرهم يوم القيامة، حيث سيستقبلهم الرحمن بالترحيب والمودة.
{إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً}.
ان الذين آمنوا بالله وصدّقوا برسُله، وعملوا الاعمال الطيبة الصالحة- سيجعل الله لهم محبةً في قلوب الناس، ويكونون في رحاب الله وتكريمه يوم القيامة.
روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اذا أحبَّ الله عبداً يقول لجبريل: إني احببتُ فلانا فأحِبَّه، فينادي في السماء ثم تنزل له المحبّة في الأرض»، فذلك قول الله تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات.. الآية} وللحديث روايات متعددة..
وبعد، فان هذه لَبشرى للمؤمنين، ومعها إنذار للجاحدين، وقد يسّر الله فهمَ كتابه على العرب، فأنزله بلسانهم ولسان رسوله الامين.
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المتقين وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً}.
لقد يسّرنا القرآن بلغتك لتبشّر برضى الله ونعيمه من اتبعَ أوامره واجتنب نواهيَه، وتنذِرَ بسخط الله وعذابه من كفر واشتد في خصامه.
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً}.
فلا يحزنك أيها الرسول عنادُهم لك، فقد أهلك اللهُ قبلهم كثيرا من الأمم والاجيال... ولقد اندثروا، فلا ترى منهم أحدا، ولا تسمع لهم صوتا. إنهم بادوا وهلكوا، وخلتْ منهم دورهم واوحشت منازلُهم. وكذلك هؤلاء، فهم صائرون إلى ما صار اليه أولئك ان لم يتداركوا أنفسَهم بالتوبة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5